تآكل “نهر القيامة” الجليدي يهدد المدن عبر العالم .
دار الخبر مراكش:
يبدو أن القارة القطبية الجنوبية تمثل مصدر خطر ارتفاع مستويات سطح البحر، وتهديد معظم السواحل عبر العالم بالغرق.
وقد سبق للعلماء أن اكتشفوا في تلك القارة قبل شهور فقط عدة أمور مقلقة منها ما يتعلق بالأنهار الخفية تحت الجليد في تلك القارة والتي تلعب دورا مهمًا في ارتفاع مستوى سطح البحر، ومنها ما اكتشفته وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) ESA، في مايو/أيار من السنة الماضية، وأكدت أن جبلا جليديا تبلغ مساحته حوالي 7 أضعاف حجم حي مانهاتن بنيويورك انفصل عن الجرف الجليدي رون (Ronne) في القارة القطبية الجنوبية، مما يجعله أكبر جبل جليدي حاليا في العالم.
وفي جديد مفاجآت القارة القطبية الجنوبية المقلقة، توصل فريق بحثي دولي مشترك إلى أن واحدا من أكثر الأنهار الجليدية لفتا لانتباه العلماء في غربي تلك القارة، ويدعى نهر ثوايتس، يتآكل بمعدل غير مسبوق مقارنة بالعقود السابقة، ما يهدد المدن الساحلية حول العالم.
والأنهار الجليدية هي كتل هائلة من الثلوج التي تتحرك ببطء شديد على الأرض، تتكون في المناطق الباردة مثل القارة القطبية الجنوبية والقطب الشمالي وفي أعالي الجبال.
انهيار تاريخي
وللتوصل إلى تلك النتائج، التي نشرت في دورية “نيتشر جيو ساينس” (Nature Geoscience)، فقد أطلق الفريق البحثي مركبة روبوتية حديثة محملة بأجهزة استشعار دقيقة خلال رحلة استكشافية في صيف عام 2019. ففي الصيف، تخفف درجة الحرارة من كميات الثلوج في محيط القارة القطبية الجنوبية، وقد مكّن ذلك المركبة من الغوص لمدة 20 ساعة والتقاط صور لـ160 نتوءا جبليا بارزا في مقدمة النهر الجليدي، كانت غارقة في المحيط.
ووفق الدراسة، فإن ثوايتس خلال 200 سنة مضت، وبشكل خاص في النصف الثاني من القرن الـ20، كان ينهار بمعدل الضعف مقارنة بتاريخه السابق لتلك الفترة. وبناء على ذلك، يتوقع الباحثون رصد تغيرات كبيرة في ذوبان النهر الجليدي خلال الفترة الزمنية المقبلة، ما يشير إلى ضرورة مراقبة النهر بصورة أكثر كثافة بداية من الآن.
كارثة متحركة
ويلفت نهر ثوايتس انتباه الباحثين لأنه ضخم، حيث يساوي في مساحته تقريبا ضعف شبه جزيرة سيناء المصرية، بطول حوالي 700 كيلومتر، ومنذ السبعينيات من القرن الماضي كان العلماء يعرفون أن هذا النهر الجليدي بات نقطة اهتمام دقيق، حيث توقع فريق من الباحثين أن تيارات المحيط الدافئة تذيبه من الأسفل بسرعة.
ويمثل ذلك درجة واسعة من الخطورة، فوفق بيان صحفي أصدرته جامعة جنوب فلوريدا المشاركة في الدراسة، يمكن أن يرفع ذوبان هذا النهر الجليدي كاملا مستوى سطح البحر بين 1 و3 أمتار كاملة، ولهذا السبب تحديدا أطلق عليه لقب نهر “يوم القيامة الجليدي” (Doomsday Glacier).
وفي دراسة أخرى صدرت في يونيو/حزيران الماضي بنفس الدورية، تبين أن ثوايتس يذوب بمعدلات سريعة لدرجة ستجعله يسهم بارتفاع مقداره 3.4 أمتار في ارتفاع مستوى سطح البحر بكل العالم، وذلك فقط خلال عدة قرون.
وقد وجدت تلك الدراسة أنه خلال 5 آلاف سنة مضت لم تشهد تلك المنطقة من القارة القطبية الجنوبية ذوبانا كالذي يحدث الآن، بسبب الاحترار العالمي.
الجبل العملاق الذي انفصل
الجبل الجليدي الذي تبلغ مساحته 4320 كيلومترا مربعا ويطلق عليه اسم “إيه-76” (A-76)، وسبب التسمية هو انفصاله عن الربع A من القطب الجنوبي، حيث تم رصده لأول مرة من قبل كوبرنيكوس سينتنيال (Copernicus Sentinel) التابع للاتحاد الأوروبي، والذي يتكون من قمرين صناعيين يدوران حول أقطاب الأرض.
وغردت لورا جيريش الباحثة في الهيئة قائلة “حدث ولادة جبل جليدي كبير آخر في القارة القطبية الجنوبية، لقد ولد A-76 من الجرف الجليدي رون وهو حاليا أكبر جبل جليدي في العالم، حيث حصل على الرقم القياسي من A23a المجاور.
ونظرا لأن الجرف الجليدي الذي انفصل عنه هذا الجبل كان يطفو بالفعل على الماء، فإن هذا الحدث لن يؤثر بشكل مباشر على مستويات سطح البحر، ومع ذلك فإن الجروف الجليدية تساعد على إبطاء تدفق الأنهار الجليدية والكتل الجليدية في البحر.
وبالتالي فإن فقدان أجزاء من الجرف الجليدي يساهم بشكل غير مباشر بارتفاع منسوب مياه البحار، وفقا للمركز القومي الأميركي لبيانات الجليد والثلوج (NSIDC).
يقول المركز أيضا إن القارة القطبية الجنوبية، التي ترتفع درجة حرارتها بوتيرة أسرع من بقية الكوكب تحتوي على ما يكفي من المياه المجمدة لرفع مستوى سطح البحر العالمي بمقدار 60 مترا، ولكن لا يعتقد العلماء أن تغير المناخ بفعل البشر هو ما تسبب في انفصال A-76 أو سلفه القريب A-74.
الأنهار الخفية تسهم في ارتفاع مستوى سطح البحر
يوجد تحت الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية العديد من الأنهار والبحيرات، وهذا بسبب الغطاء الجليدي العازل أعلاه، وتدفق الحرارة من داخل الأرض أسفله، والكمية الصغيرة من الحرارة المتولدة من ذوبان الجليد.
وقد نشر موقع “ذا كونفرسيشن” (The Conversation) مقالا -كتبه هوو جوزيف هورغان الأستاذ المشارك في علم الجليد الجيوفيزيائي في “تي هيرينغا واكا – جامعة فيكتوريا في ويلينجتون” (Te Herenga Waka – Victoria University of Wellington)، وكريغ ستيفنز أستاذ فيزياء المحيطات في “المعهد الوطني لأبحاث المياه والغلاف الجوي” (National Institute of Water and Atmospheric Research)- في العاشر من فبراير/شباط الماضي يشرحان فيه كيف يمكن للأنهار الخفية تحت الجليد في القارة القطبية الجنوبية أن تلعب دورا مهمًا في ارتفاع مستوى سطح البحر.
ويذكر الباحثان -في المقال- أن الماء يعمل كمادة زلقة تحت الصفائح الجليدية، مما يسمح للجليد بالانزلاق نحو المحيط بسرعات تصل إلى عدة مئات من الأمتار في السنة، وعندما يخرج الماء من تحت الجليد، يدخل في تجاويف باردة ومالحة تحت الصفائح الجليدية، وهي الامتدادات العائمة للصفائح الجليدية التي تحيط بالقارة.
هنا يمتزج الماء، ويطلق المغذيات والرواسب، ويذيب الجانب السفلي من الأرفف الجليدية، والتي تعمل كدعامات تعوق تدفق الصفائح الجليدية، “وفهم كيفية حدوث هذه العمليات على مدى القرون القادمة هي عامل رئيسي في فهم ارتفاع مستوى سطح البحر”، كما يقول الباحثان، ولسوء الحظ، فإن هذا أيضا أحد الأجزاء الأقل استكشافا على كوكبنا.
و يقول الباحثان أيضا “يعد برنامج علوم القطب الجنوبي النيوزيلاندي الخاص بنا أول مسح مباشر لنهر تحت الجليد في القطب الجنوبي، وهو يدعم الأبحاث السابقة التي تشير إلى أن هذه الأنهار تحت الجليدية تشكل مصبات الأنهار أثناء تدفقها إلى المحيط، وإن كانت عند 82.5 درجة جنوبا، مخبأة تحت 500 متر من الجليد وحوالي 500 كيلومتر من المحيط”.