الإفلاس التام… الجزائر على حافة أزمة مالية غير مسبوقة

رغم الخطاب السياسي المتكرر الذي يفاخر بتحقيق الاكتفاء الاقتصادي والتخلص من قيود الاستدانة الخارجية، إلا أن الواقع المالي في الجزائر بات ينذر بكارثة اقتصادية غير مسبوقة، إذ تشير المؤشرات الرقمية إلى أضخم عجز في تاريخ البلاد، في ظل تراجع حاد لمداخيل النفط والغاز، المورد الأساسي والأوحد تقريبًا لخزينة الدولة.
فقد اضطرت الحكومة الجزائرية مؤخرًا إلى اللجوء إلى الصندوق السيادي لسد فجوة مالية متسعة، بعدما انخفضت أسعار النفط بشكل متواصل، واقتربت من عتبة 60 دولارًا للبرميل، وهو السعر المرجعي الذي بنت عليه الحكومة توقعاتها المالية لهذا العام. هذه التقديرات، التي وُصفت بالتفاؤلية والمبالغ فيها، تجاهلت الطبيعة المتقلبة لسوق الطاقة، ما جعل البلاد تدفع ثمن السيناريوهات غير الواقعية.
ووفق تقارير اقتصادية، فإن ميزانية الجزائر لسنة 2025 شهدت قفزة كبيرة في حجم الإنفاق، حيث تجاوزت 126 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الإيرادات 62 مليار دولار، أي بعجز يلامس 64 مليار دولار، في ظل ضعف التنوع الاقتصادي وانعدام بدائل حقيقية للنفط والغاز.
تفاقم الغموض في المشهد الاقتصادي
وتتزامن هذه الأزمة مع أجواء دولية مشحونة، تتخللها توترات جيوسياسية حادة ونزاعات متواصلة في الشرق الأوسط، ما يجعل السوق النفطية أكثر هشاشة. ويُخشى أن يتسبب أي تذبذب إضافي في الأسعار في تفاقم وضع الجزائر الاقتصادي، وسط غياب رؤية إصلاحية واضحة.
لطالما لجأت الجزائر إلى سن قوانين مالية تكميلية في السنوات التي شهدت تراجعًا في عائدات النفط، لكن الوضع هذا العام يبدو أكثر تعقيدًا، بسبب ارتفاع الالتزامات الداخلية، والتضخم، وتزايد حجم الدعم العمومي، في مقابل تآكل احتياطات العملة الصعبة.
ودخلت الحكومة في حالة استنفار مالي وإداري، بحثًا عن حلول سريعة تُجنّب البلاد السيناريو الأسوأ، وسط مطالب داخلية بترشيد النفقات ووقف النزيف، ومراقبة صارمة لآليات صرف المال العام، في ظل مؤشرات متزايدة على هشاشة الوضع المالي.
تبون في مواجهة الواقع
في خضم هذه التطورات، يجد الرئيس عبد المجيد تبون نفسه أمام لحظة اختبار حاسمة، لا فقط أمام الرأي العام المحلي، بل أيضًا أمام المؤسسات المالية الدولية التي تراقب الوضع عن كثب. فالرئيس الذي لم يتوقف عن الترويج لفكرة “السيادة الاقتصادية” ورفض الاستدانة الخارجية، يواجه الآن واقعًا اقتصادياً لا يرحم، يفرض عليه مراجعة وعوده والشروع في إصلاحات عميقة، أو المخاطرة بانزلاق مالي قد تكون له تبعات اجتماعية وسياسية خطيرة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يتمكن النظام الجزائري من امتصاص هذه الأزمة والتحرك نحو إصلاح هيكلي حقيقي؟ أم أن ضيق الأفق الاقتصادي، المرتبط بهيمنة الريع وغياب البدائل، سيدفع البلاد إلى تكرار سيناريوهات ماضية عنوانها “الهشاشة والتقشف القسري”؟