موقف غامض من الجزائر اتجاه قطر

في خضم تفاعل عربي سريع وحازم مع الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر، اختارت الجزائر لغة دبلوماسية غامضة أثارت جدلاً واسعاً، بعدما أصدرت بيانًا فضفاضًا خالياً من الإدانة الصريحة لإيران، التي تبنّت العملية بشكل علني.
وجاء بيان وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بصيغة حذرة، أعربت فيه فقط عن “شديد انشغالها وبالغ قلقها” إزاء ما سمّته انتهاكاً لسيادة دولة قطر الشقيقة وحرمة ترابها، دون الإشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى الجهة المسؤولة، رغم أن إيران أعلنت رسميًا مسؤوليتها عن الهجوم.
دعم مشروط.. دون تحديد الفاعل
وفي لهجة اعتُبرت محاولة لتفادي أي تصعيد مع طهران، اكتفت الجزائر بالتأكيد على إدانة “الانتهاكات الصارخة وغير المقبولة”، مؤكدة وقوفها إلى جانب قطر لتجاوز هذه “المحنة”، لكن دون توجيه أي لوم مباشر لإيران، ما اعتُبر رسالة ضمنية لعدم رغبتها في المساس بالعلاقات الثنائية مع طهران، والتي تشهد تقارباً استراتيجياً في السنوات الأخيرة.
دبلوماسية الغموض: تقاطع بين الوساطة والاصطفاف
ورغم أن غالبية الدول العربية، من بينها السعودية والإمارات ومصر، أدانت بوضوح الهجوم الإيراني واعتبرته مسًّا بسيادة قطر، اختارت الجزائر مجدداً لعب دور “الوسيط القلق”، موجهة أصابع الاتهام بشكل غير مباشر إلى إسرائيل، ما فُهم على نطاق واسع كمحاولة للتهرب من تحميل إيران المسؤولية الكاملة.
هذا الموقف زاد من التساؤلات حول توجهات الدبلوماسية الجزائرية، التي غالباً ما تتسم بـ”الرمادية” والتردد في القضايا الإقليمية الحساسة، حيث تتجنب الاصطفاف العلني ضمن الموقف العربي الموحد، ما جعلها في مرمى الانتقادات داخل الأوساط الإعلامية والدبلوماسية.
ضعف الموقف… ومصداقية على المحك
ويعكس بيان الجزائر نهجاً دبلوماسياً يعتمد الغموض الاستراتيجي، لكنه في السياقات الحاسمة يتحول إلى نقطة ضعف تُقوّض مصداقية مواقفها الإقليمية. ففي وقتٍ كانت فيه العواصم العربية تُعبّر بوضوح عن رفضها للتدخل الإيراني، فضّلت الجزائر الانزواء خلف خطاب عام، لا يحمل موقفاً حاسماً ولا دعماً ملموساً للضحية.
الجزائر بين طهران والعواصم العربية
وتسلط هذه الواقعة الضوء من جديد على مأزق الجزائر الدبلوماسي، الذي يُراوح بين الرغبة في الحفاظ على شراكات استراتيجية مع قوى غير عربية مثل إيران، والضغط المتزايد للانخراط في موقف عربي مشترك أكثر وضوحًا وفاعلية في القضايا الإقليمية.
خلاصة
في ظل التصعيد الخطير بالمنطقة، كانت الفرصة مواتية للجزائر لتأكيد التزامها بمبدأ السيادة ورفض التدخلات الخارجية بشكل واضح، لكنها اختارت لغة رمادية تبقيها في منطقة الغموض، وتضعها في مواجهة انتقادات جديدة بشأن تشتت توجهاتها الإقليمية وغياب البوصلة الموحدة في سياستها الخارجية.