اخبار مهمةحوارات الصحافةفي الواجهة

المغرب والهند يتجهان إلى الفضاء !

في خطوة تعكس التوجه الاستراتيجي للمملكة نحو العلوم والتكنولوجيا المتقدمة، بدأ التعاون الفضائي بين المغرب والهند يشهد تطورًا لافتًا منذ توقيع مذكرة تفاهم يوم 25 شتنبر 2018 في نيودلهي، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2019، لتؤسس لإطار شامل للتعاون في الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي.

وخلال مائدة مستديرة نظمتها “منظمة أبحاث الفضاء الهندية” (ISRO) بمقرها في مدينة بنغالور، أكد مسؤولون هنود رفيعو المستوى أن التعاون مع المغرب يعد نموذجًا ناجحًا في القارة الإفريقية، ويغطي مجالات متقدمة تشمل الاستشعار عن بعد، الاتصالات الساتلية، الملاحة الفضائية، استكشاف الكواكب، وتطوير الأنظمة الفضائية والأرضية.

هذا التعاون تُشرف عليه لجنة عمل مشتركة تجمع بين خبراء من وزارة الفضاء الهندية ووكالة ISRO، إلى جانب ممثلين عن المركز الملكي للاستشعار عن بعد والمركز الملكي لأبحاث ودراسات الفضاء، وتهدف هذه اللجنة إلى وضع خارطة طريق دقيقة تشمل برامج زمنية وآليات تنفيذ واضحة للمشاريع المشتركة.

من التدريب إلى بناء القدرات
منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استفاد عدد من الأطر والمهندسين المغاربة من برامج تدريبية متقدمة، أبرزها تلك المقدمة في المعهد الهندي للاستشعار عن بعد، وبرنامج UNNATI الهندي المخصص لتأهيل الدول النامية في بناء وتشغيل الأقمار الصناعية الصغيرة. كما شارك المغرب في فعاليات وورش عمل تقنية، من أبرزها ورشة حول “مراقبة الأرض” سنة 2021، والتي ركزت على استخدام بيانات الأقمار الصناعية لدعم الزراعة المستدامة وتدبير الموارد الطبيعية والمائية.

وبحسب مسؤولي ISRO، فإن التعاون الحالي يركّز على تمكين المغرب من الاستفادة السريعة من تطبيقات الفضاء، خاصة في مجالات التنمية المستدامة، إدارة الكوارث، مراقبة الزراعة والمياه، دون انتظار بناء بنية إطلاق فضائية أو تصنيع أقمار بشكل مستقل.

يتماشى هذا التعاون مع استراتيجية الهند الطموحة لترسيخ موقعها كقوة فضائية صاعدة، حيث تسعى إلى تعزيز شراكاتها مع دول الجنوب، من خلال تصدير المعرفة الفضائية والخبرة التقنية، وتشجيع الدول النامية على إدماج التطبيقات الفضائية في السياسات التنموية.

ويأتي ذلك في وقت تعمل فيه الهند على توسيع نطاق برامجها الفضائية، أبرزها برنامج “غاگانيان” الذي يستهدف إرسال أول مهمة مأهولة هندية إلى المدار الأرضي، ومشاريع مستقبلية للوصول إلى القمر بحلول سنة 2040، إضافة إلى بناء محطة فضائية هندية مستقلة بحلول 2035. وتُرافق هذه الطموحات جهود متقدمة لتطوير صواريخ إطلاق جديدة، وتوسيع قدرات الملاحة والاتصال الفضائي.

فرصة استراتيجية للمغرب
بالنسبة للمغرب، فإن هذه الشراكة لا تُشكل مجرد تعاون تقني، بل هي فرصة لتعزيز موقعه ضمن الدول الإفريقية الرائدة في مجال الفضاء، خاصة في ظل امتلاكه لبنية استقبال متطورة، وأقمار صناعية موجهة للاستشعار عن بعد مثل “محمد السادس A” و”B”. ومع انتقال التركيز من التدريب والتطبيقات إلى التفكير في التصنيع المشترك لأقمار صغيرة في المستقبل، يخطو المغرب نحو دور أكثر فاعلية في الاقتصاد الفضائي العالمي.

كما أن الاستفادة من الخبرة الهندية الواسعة، وخاصة في مجالات الكلفة المنخفضة والتصميم الذكي، تتيح للمملكة توسيع قدراتها في تحليل البيانات الفضائية، وتوظيفها في مراقبة الموارد الطبيعية، وإدارة المناطق الزراعية، والتنبؤ بالكوارث، وتعزيز الأمن البيئي.

نحو مرحلة أكثر طموحًا
المسؤولون من كلا البلدين أكدوا أن المرحلة المقبلة ستُركز على تعميق العمل المشترك، وتوسيع نطاق البرامج المخصصة لتكوين المهندسين، إلى جانب دراسة إمكانيات تعاون صناعي على المدى المتوسط. كما تم التوافق على أهمية مواصلة تطوير التطبيقات الفضائية العملية، قبل الانتقال إلى مراحل أكثر تعقيدًا مثل التصنيع أو الإطلاق من منصات وطنية.

وبينما تتحرك الهند بسرعة نحو القمر والفضاء العميق، يُعيد المغرب تموقعه كفاعل طموح في محيطه الإقليمي، مستفيدًا من شراكة علمية وتكنولوجية متقدمة، تفتح له أبواب المستقبل، وتمنحه أدوات جديدة لتحقيق تنمية ذكية ومستدامة، عنوانها: الفضاء ليس حكرًا على الكبار، بل فرصة لمن يملك الرؤية والإرادة.

اظهر المزيد

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

Back to top button