هل تراجع موريتانيا دعمها التاريخي للبوليساريو؟

تشهد العلاقات بين موريتانيا وجبهة البوليساريو منعطفًا لافتًا خلال الأشهر الأخيرة، يتسم بفتور غير مسبوق في التواصل الرسمي وغياب واضح لزيارات قيادات الجبهة إلى العاصمة نواكشوط. هذا التحول لا يبدو عرضيًا، بل يأتي في سياق متغيرات إقليمية ودولية كبرى أعادت رسم خريطة التحالفات والمواقف في منطقة الصحراء والساحل.
من اللقاء المغربي الموريتاني إلى عزلة الجبهة
النقطة المفصلية في هذا التحول كانت اللقاء الذي جمع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بالملك محمد السادس، والذي أسفر عن دفعة قوية للعلاقات الثنائية، تجلت في توقيع اتفاقيات تعاون مهمة وتكثيف التنسيق السياسي والدبلوماسي بين البلدين.
منذ ذلك الحين، ساد صمت رسمي موريتاني تجاه البوليساريو، تزامن مع أزمة داخلية متفاقمة داخل الجبهة، إذ تتحدث تقارير دولية عن تفكك تنظيمي وعزلة خارجية، علاوة على تصاعد اتهامات دولية لعناصر داخل الجبهة بالتورط في شبكات التهريب والإرهاب بمنطقة الساحل.
في المقابل، تحرص نواكشوط على تحسين علاقاتها الاستراتيجية مع الرباط، لا فقط لأسباب اقتصادية وتنموية، بل أيضًا لتقاطع المصالح الأمنية في المنطقة، وحرصًا على التوازن في مشهد إقليمي بات متغيرًا بوتيرة متسارعة.
موريتانيا بين الحياد التقليدي وضغط الجغرافيا السياسية
لطالما تبنّت موريتانيا ما سُمّي بـ”الحياد الإيجابي” في ملف الصحراء، لكن الواقع الجديد يُحتم على نواكشوط إعادة النظر في هذا الموقف الرمادي، في ظل تبدل موازين القوى، واعتراف قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، فرنسا، وإسبانيا بسيادة المغرب على صحرائه، إلى جانب تزايد عزل البوليساريو دبلوماسيًا.
الوضع في مخيمات تندوف آخذ في التدهور، والقيادة الانفصالية تعاني من فقدان السيطرة على القاعدة الشعبية، في وقت تتفاقم فيه التحديات الأمنية على حدود موريتانيا الشمالية.
إن موقع موريتانيا الجغرافي والسياسي لا يسمح لها بالبقاء في موقع المتفرج، خاصة مع تعاظم المخاطر الإقليمية في فضاء الساحل والصحراء، وتنامي تهديد الجماعات المسلحة التي توظف ملف الصحراء كورقة ضغط جيوسياسي.
نحو رؤية جديدة تنسجم مع الحقائق الميدانية
في ضوء هذه المتغيرات، تبرز الحاجة إلى أن تنتهج نواكشوط موقفًا استباقيًا وواقعياً، يُراعي مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ويؤسس لرؤية سياسية جديدة تتجاوز الحياد، نحو الانخراط في حل واقعي وسلمي ودائم للنزاع، يُعزز استقرار المنطقة ويضمن المصالح المشتركة.
لم تعد المواقف الرمادية قادرة على حماية الدول من تداعيات النزاعات المعقدة، بل قد تكون مكلفة أمنيًا وسياسيًا، في ظل مشهد إقليمي يُعاد تشكيله على حدودها.