أزمة غذائية هيكلية تهدد المغرب والأمن الصحي للمواطنين

حذر المعهد المغربي لتحليل السياسات (MIPA) في تقرير جديد صدر في أكتوبر 2025 من أزمة هيكلية خطيرة تهدد قدرة المغرب على ضمان أمنه الغذائي والسيادة على موارده الطبيعية، مشيرًا إلى أن النموذج الزراعي والاقتصادي الحالي يعمّق التبعية ويقوّض إمكانية تحقيق غذاء صحي ومستدام.
تبعية متزايدة ونموذج زراعي غير متوازن
وأوضح التقرير، المنجز بدعم من مشروع “الجسر الأخضر للانتقال العادل” وعدد من الشراكات الدولية، أن السياسات الزراعية خلال العقود الماضية ركّزت على الزراعات التصديرية بدل الزراعة المعيشية، مما فرض ما سماه التقرير “عبئاً مزدوجاً” يتمثل في استنزاف الموارد الطبيعية من جهة، وإضعاف الصحة العامة للمواطنين من جهة أخرى.
ورغم مكانة المغرب كبلد فلاحـي، فإن القطاع الزراعي يعتمد بشكل شبه كامل على مدخلات مستوردة مثل البذور ومواد التلقيح الاصطناعي للأبقار، بينما تتطلب الزراعات التصديرية مثل الأفوكادو والطماطم والبطيخ الأحمر كميات هائلة من المياه والطاقة المستوردة، ما يزيد من مخاطر ندرة المياه في بلد يُعد من الأكثر جفافًا في شمال إفريقيا.
“عبء مزدوج” لسوء التغذية
على المستوى الصحي، أشار التقرير إلى ظاهرة “العبء المزدوج لسوء التغذية”، حيث يتزامن فرط استهلاك السعرات الحرارية الفارغة مع نقص العناصر المغذية الدقيقة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات السمنة وأمراض القلب والسكري، بالتوازي مع نقص الحديد واليود في النظام الغذائي للمغاربة.
ويرجع هذا الوضع إلى تغير العادات الغذائية الحضرية وزيادة الإقبال على الأطعمة فائقة المعالجة، إذ ارتفع متوسط استهلاك الفرد من 2400 سعرة حرارية في السبعينيات إلى حوالي 3100 سعرة حالياً.
دعم حكومي يعمّق التبعية
وانتقد التقرير سياسة الدعم الحكومي، مبرزاً أن جزءاً كبيراً من الميزانية يُوجَّه إلى منتجات مستوردة غير مغذية، مثل السكر المكرر (4.38 مليار درهم) والقمح اللين (1.34 مليار درهم)، أي ما مجموعه 5.72 مليار درهم سنوياً. واعتبر أن هذه السياسة تحوّل الدعم من أداة للعدالة الاجتماعية إلى وسيلة لتعميق التبعية الغذائية واستنزاف المالية العمومية.
ودعا التقرير إلى إعادة صياغة السياسات الفلاحية والغذائية على أساس السيادة الغذائية الوطنية، عبر:
حماية الموارد الطبيعية (الماء، التربة، التنوع البيولوجي).
دعم الفلاحين المحليين وضمان العدالة في الولوج إلى الأرض والتمويل.
توجيه الدعم نحو الزراعة المعيشية والإنتاج المحلي للأغذية الصحية.
واختتم التقرير بالتأكيد على أن الأمن الغذائي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المغربي، داعياً إلى رؤية تنموية جديدة تجعل من الأرض والماء والصحة ركائز أساسية لبناء مستقبل غذائي عادل ومستدام.
 
				 
					
