نفق المغرب – إسبانيا عبر جبل طارق يعود إلى الواجهة

عادت بقوة إلى ساحة النقاشات الدولية فكرة إنشاء نفق بحري يربط بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق، في مشروع طموح ظل حبيس الأدراج لأكثر من أربعين عامًا، ويُنظر إليه اليوم كأحد أبرز مشاريع الربط القاري التي قد تغيّر ملامح العلاقات الاقتصادية والسياسية بين أوروبا وإفريقيا.
ويحظى هذا المشروع الاستراتيجي بزخم متجدد في ظل التحضيرات الجارية لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030، التي ستُنظم بشكل مشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، ما يفرض تعزيز البنيات التحتية الكبرى وضمان التنقل السريع بين ضفتي المتوسط.
وبحسب تقارير إعلامية إسبانية، فإن حكومة بيدرو سانشيز أبدت اهتمامًا متزايدًا بإحياء هذا المشروع من خلال إطلاق سلسلة من الدراسات التقنية والمالية المتقدمة. وكانت الحكومة قد شرعت فعليًا في استئجار معدات متخصصة لقياس الزلازل بتكلفة تجاوزت 480 ألف يورو، في خطوة تهدف إلى استكشاف الطبيعة الجيولوجية للمضيق وتحديد مدى ملاءمته لإنشاء نفق بحري.
وفي خطوة إضافية تعكس جدية المشروع، أبرمت الحكومة الإسبانية عقودًا مع شركات دولية مرموقة متخصصة في علم الزلازل والهندسة البحرية، إلى جانب تخصيص وزارة النقل الإسبانية ميزانية تفوق 350 ألف يورو لصالح شركة “Ineco” العمومية، من أجل إعداد دراسة جدوى شاملة ترصد مختلف السيناريوهات التمويلية وتقيّم الجدوى الاقتصادية للمشروع على المديين المتوسط والبعيد.
وتهدف هذه الدراسة إلى وضع تصور دقيق للإيرادات المحتملة من رسوم استخدام القطار، والمداخيل التجارية لمحطات العبور، إضافة إلى عائدات الربط الكهربائي وخدمات الألياف البصرية. كما تشمل تحليلاً لتوقعات عدد الركاب وحجم الشحنات التجارية التي سيستوعبها النفق، بالاعتماد على نماذج شبيهة مثل نفق “يوروتونيل” بين فرنسا وبريطانيا، ومشروع الربط الحديدي بين “فيغيراس” و”بيربينيان” الذي يربط إسبانيا بفرنسا.
وأفادت التقارير ذاتها بأن لجنة تقنية مكونة من 12 خبيراً تُعكف حاليًا على دراسة التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالعوائد المالية المتوقعة، مما يعكس الطابع الجدي الذي بات يحظى به المشروع في الأوساط الرسمية.
إلى جانب الدراسة الاقتصادية، ستُنجز شركة “Ineco” أيضًا دراسة وظيفية تحدد سيناريوهات تنفيذ المشروع وتقييم المواقع الجغرافية الممكنة لإنشاء المحطة الطرفية للنفق، سواء بالقرب من مدينة الجزيرة الخضراء أو على شاطئ طريفة باتجاه قادس، بهدف اختيار أفضل موقع استراتيجي من حيث الجغرافيا والتكلفة والربط البري.
وفي الجانب التقني، تشارك شركة “Herrenknecht” الألمانية، الرائدة عالميًا في تكنولوجيا حفر الأنفاق، في إجراء دراسة معمقة حول كيفية التعامل مع المقطع الأكثر تعقيدًا في قاع المضيق، المعروف باسم “البريشيا”، باستخدام آلات الحفر العملاقة TBM. وتستند هذه الدراسة إلى بيانات المشروع التمهيدي لسنة 2007، مع مراجعة مستفيضة للخصائص الجيولوجية للصخور وتضاريس قاع البحر، خصوصًا عند “عتبة كامارينال”، التي تُعد من أبرز التحديات الجيولوجية في المنطقة.
وتتوقع الجمعية الإسبانية لدراسات الاتصالات الثابتة عبر مضيق جبل طارق (Secegsa) أن تُستكمل هذه الدراسات خلال صيف 2025، وهو ما قد يشكل نقطة تحول حاسمة تمهّد لانطلاق تنفيذ هذا المشروع الضخم.
ويُعد نفق الربط البحري بين المغرب وإسبانيا مشروعًا فريدًا ليس فقط من حيث تعقيداته الهندسية، بل أيضًا من حيث أبعاده السياسية والاقتصادية، حيث يُتوقع أن يتحول إلى جسر استراتيجي جديد يعزز التكامل بين ضفتي المتوسط، ويرفع من مستوى التبادل التجاري والتنقل البشري بين القارتين، في خطوة قد تعيد رسم ملامح الجغرافيا الاقتصادية في المنطقة لعقود قادمة.